عنْ عُمـرِهِ فيمَ أفنـاهْ
يمضِي الإنسانُ في رِحلةِ العُمُرِ بينَ شروقِ الميلادِ و غروبِ الرّحيل. لا يحملُ في يدهِ سِوى لحظاتٍ تتساقَطُ كحباتِ رملٍ من كفِّ الزمن.و ما العُمُر في حقيقتهِ إلا وقت، و مالوقتُ إلا رأسُ مالِ الإنسان.تتفاوتُ الأرزاقُ، و تختلفُ الأجسادْ. لكنّ الجميعَ قدْ وُهِبَ ذاتَ المِكيالْ من الزمن :أربعٌ و عِشرون ساعة تتكرر. لكنّ القليلَ فقطْ من يُدرِكُ قيمتها فيعمَلُ جاهِدا ليجِدَ جوابًا كافِيًا لِ: و عن عُمرهِ فيما أفناه؟ و آخرُ غافِلٌ عنهُ، حتى تقومَ قِيامتُه، و تَسقُطَ ورقته فيقول: يا ليتَنِي قدمتُ لِحياتي.
يبيُّن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في حديثهِ هذا أن لكلِّ واحدٍ مِنا وقفةً أمامَ الله عزّ وجل. يُحاسبُ فيها على أعمالِهِ و فيما قضى وقتَهُ و عُمرهُ الذي أمدّه به.
"لاتزُولُ قدمَا عبدٍ يومَ القيامة"
أي:لا تتحركُ و تنصرف قدم كلّ إنسانٍ من موضِعِ الحساب يوم القيامة حتى يسأله الله عز و جلّ عن عدةِ أشياء:
🕯عن عُمرهِ، فيمَ أفناه؟
كيفَ استغلَّ أوقاته و فيمَ أمضاها؟ و هلْ كانَ للآخِرةُ نصيبٌ مِنها أم أن قلبهُ كانَ غافِلا بالدُّنيا.
🕯و عن عِلمِه، فيمَ فعلَ فيه؟
و يسأله ربّه عن العِلمِ الذي تعلمه، ماذا فعلَ به؟
أتعلّمه لوجهِ الله سبحانه و تعالى و أخلصَ لهُ النيّةَ، امْ رياءا و سُمعة؟
فما فائِدةُ أن تعرِف حدودَ الله و أنتَ تتعداها؟ او أن تحفظ القرآن و لا يظهَرَ أثرهُ في لِسانك و خُلقُكْ!
🕯و عن مالِه، من أينَ اكتسبه؟ و فيمَ أنفقه؟
أمالهُ حرامٌ أم حلالْ، و فيمَ أنفقه؟ أفي طاعةٍ ام في معصية؟
🕯و عن جسمهِ فيم أبلاهْ؟
فيمَ اضاعَ قوّته و شبابهُ و صِحته ؟
جسمُكَ أمانة فصُنها و لا تغرَّنك صحتكّ و قوتك. و استعملهما في مايرضي الله. فإن كانتْ عبادتك قليلةً في شبابك و قوتك فما أنتَ فاعلٌ في المشيب؟!
إنها لحظـات تمضي و لا تعود، و أعمارٌ تستهلك و لا تُسترد. و مالعُمرُ إلا خيطٌ يبدأ من المهدِ و يمتدّ إلى اللّحدْ. فمنْ أحسن في نسجِهِ، صارَ لهُ رِداءَ نجاة. و من أضاعهُ، أفاقَ يومًا و هو لا يحمِلُ سوى الحسراتْ.
إنّ السؤال: "عنْ عمرهِ فيم أفناه" ليسَ سؤالا عابرًا، بل هو جرسُ إنقاذ لكل غافل. و نافذة تأملٍ لكلّ ذي لُبّ.
إنّ إدراك قيمة الوقت لا يتأتى إلا لمن تذوق طعم الإنجاز، و من شعر بخطورة التفريط، و من آمن أن الحياة ليست مجالاً للتجربة العشوائية، بل مسؤولية و مهمة و عبور. فالإنسانُ لا يخلقُ عبثًا.عمركَ لا يقاس بعدد السنوات، بل بما زرعَ فيه من أثر، و ماتُرك فيه من بصمة. و إن السعادة الحقيقية لا تكونُ في كثرةِ الراحة، بل في أن يحيا المرء لقضية. أن يرى نفسهُ جزءًا من رسالة، أن تكونَ كل دقيقةٍ في عمره لبنةً في بناء الحق، او خطوة في طريق العلم.
و ليسَ الشبابُ زمن اللهو، و لا الوقتُ وعاءا للفراغ. إنما هو وعاء للعمل، و بساطٌ تُغرَسُ عليه الأشجارْ، ليؤكلَ من ثمارها لاحِقًا.أولئكَ الذينَ ملؤوا أوقاتهم بالعلم، و القراءة و العبادة و خدمة الناسْ. ما أعمارهم إلا مواسِمُ خيرٍ قد انقضت و لكنها بقيت شاهدة عليهمْ، في كتبهم و سيَرهم التي لم تمتْ.
وآنَ لكَ أن تُفيق...
فقد علمتَ الآن أن عمركَ يُسرَق من بينِ يديك، ينفرطُ كالعِقدِ حبةً حبة، وأنتَ غافلٌ تظنُّ أن الطريق ما زال طويلًا. إنك لم تُخلَق عبثًا، ولا خُلّي بينك وبين الزمان لتُهدره كيف تشاء. إنما خُلقتَ لتعلو بنفسك في مدارجِ الكمال، وترتقي في مراتبِ العُلا، فلا تكن من الخاسرين الذين أضاعوا أعمارهم في اللهو والتسويف.
استدرِك ما فاتك، ولا تقف عند حافةِ الندم طويلًا. لا تنظر خلفك شاكيًا متحسرًا، بل شمّر عن ساعدِ الجد، واستعن بالله على نفسك، وابدأ الآن. فإنّ كل خطوةٍ تخطوها اليوم، ستكونُ بإذن الله نبعَ خيرٍ يتفجّرُ لك غدًا.
وهُنا بعضُ المهام اليومية التي لا يليقُ بمسلمٍ أن يغفلَ عنها، بل يجب أن يجعلها من أولوياتِ يومه، فهي زادُ الروح ونورُ الطريق:
أولًا: صلاتُك في وقتها.
الصلاةُ صلتُك بالله، لا تهملها ولا تؤخّرها. اجعلها أولى محطاتِ يومك، وأولى همومك، وخيرُ ما تبدأ به نهارك هو صلاة الفجر في وقتها، ففيها بركة لا تُدرَك إلا لمن ذاقها.
ثانيًا: وردُك من القرآن.
لا تجعل يومك يخلو من تلاوةِ كتاب الله، ولو كان مقدارُه صفحاتٍ يسيرة. فالقرآنُ إن زاحمَ شيئًا باركه، وإن خالطَ وقتك وعملك، ملأهما خيرًا ونورًا. فاجعل له في يومك حظًا دائمًا، يُبارك الله به سعيك.
ثالثًا: أذكارُ الصباح والمساء.
هي حصنك، وهي أمانُك، وهي التي تضعك في ذمّةِ الله. دقائقُ يسيرة تحفظُ بها نفسك، وتغرسُ بها الطمأنينة في قلبك، فلا تفرّط فيها مهما شغلتك الحياة.
رابعًا: الذِّكر.
ليكن لسانُك رطبًا بذكرِ الله؛ فليس أيسر منه عملًا، ولا أعظمَ منه أجرًا. لا تجعل يومك يمضي دون أن ترفع فيه ذكرك إلى السماء بتهليلٍ أو تسبيحٍ أو استغفار.
وإياكَ أن تشتغلَ بدنياً وتُهمِلَ روحكَ، فتعملَ للدنيا وتغفلَ عن الآخرة، فما هكذا يفلحُ العاقل.
نفسك أمانة، وجسدُك حق، فخصّص من وقتك نصيبًا لطلبِ العلم، ولقراءةٍ نافعة، ولحفظِ شيءٍ ولو يسير من القرآن، ترفَعُكَ به درجاتٍ عندَ ربك.
واخلص النيّة، فإنما الأعمالُ بالنيات، ولكلّ امرئٍ ما نوى.
و لا تنسَ أنّ:
و السَلام
مِنْ سُــلافْ






سُـلاف هذا حرفيا افضل ما قرأت اليوم اشكرك فعلا على التوعيه ، وكأنك مرسوله من الله لي في عز ضيقتي وغفلتي ل إيقاظي وتنبيهي الله يذكرك بالخير🤍🤍🤍
كلماتكِ يا سُلاف رائعة كل سطر في مقالك يشهد لحضور فكرك وسموّ طرحك دمتِ قلمًا يُضيء ووجدانًا يُلهم 🩵